في فصـــــــــــــــ الشتاء ــــــــــــــــــــل

في فصل الشتاء البارد، حيت لا تسمع إلا صوت الريا ح العاتية، و تساقط الثلوج الجامدة، أو مواء قطة ضائعة،...في تلك الأيام حيت يحلو السمر و السهر قرب المدفأة على صوت الجدة الحنون، تروي قصة من غابر الزمان، على أذان أطفال تشع البراءة من عيونهم.
وككل مساء كنت أحب التجوال في أحضان الطبيعة، قرب منبع الماء الصافي، وبين أشجار السنديان العريقة،... كنت أهيم بروحي فوق الجبال الشامخة، في لباسها الأبيض الوقور.

جلست على جذع شجرة قديمة، أودع آخر شعاع من ذلك النجم الساطع؛ لفت انتباهي فتاة تجلس تحت شجرة السنديان العملاقة، أسندت رأسها إلى ركبتيها، وتركت الرياح تتلاعب بخصلاتها الذهبية المتناثرة تحت قبعتها الحمراء.
ترى ما خطب هذه الفتاة الوحيدة؟.. ولماذا تجلس في هذا المكان الموحش؟... أسئلة كثيرة شغلت تفكيري، لم استطع تجاهلها فجلست بجانبها،... نظرة أمل ثاقبة اخترقت قلبي، أحسست برعشة باردة سارت في جسدي، استجمعت قليلا من شجاعتي المتبعثرة، وسألتها عن سبب عزلتها في هذا المكان؛... أجابتني بأجوبة يسودها الغموض، وعلى وجهها ابتسامة لطيفة، قالت إنها تنتظره، تنتظر عودته منذ سنة، تحت هذه الشجرة التي شهدت جميع ذكرياتها، وستظل تنتظره إلى أخر يوم في حياتها.
رفعت نظرها إلى السماء وشردت في صمت عميق، استأذنتها بهدوء فالوقت متأخر، عدت إلى البيت و صورتها الحزينة لا تفارق مخيلتي، و كلماتها ترن في أذني، و الأسئلة لا تلبث أن تتكاثر، فأجوبتها لم تزدني إلا حيرة .
...من المنتظر؟ من تركها هل هو شخص عزيز على قلبها؟ أم هو أمل ضائع؟ أو حلم متبدد، المهم انه شيء رحل فلننتظر عودته.